جوانب الكمال والجمال في شريعة الإسلام لا تنتهي، فأحكامها تتعلّق
بجميع جوانب الحياة ومختلف أحوالها، وآدابها استطاعت أن تقيم واقعاً
اجتماعياً فريداً، عزّ على البشرية أن تجود بمثله، تلك الآداب التي تحقّق
انسجاماً كاملاً مع دواعي الفطرة السليمة وتدعو إليها.
والهدي
النبوي في قضاء الحاجة، ما هو إلا مثالٌ يؤكد ما سبق، فهناك الكثير من
الأحكام الذي تعلّقت بهذا الفعل أمراً ونهياً، وحثّاً وإرشاداً، وهناك
أيضاً العديد من الآداب التي جاء التنبيه إليها، والتي تعكس نظافة المسلم
وطهارته.
وأول سمات الجمال في هذه القضيّة، الطريقة
التي تم التعبير عنها في كتاب الله تعالى، قال عز وجل: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ
مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ} (النساء: 43)، فقد تم التعبير عن إخراج النجاسة
من السبيلين بالتلميح (الغائط) لا بالاسم الصريح المباشر، والغائط في أصله
يطلق على المكان المنخفض من الأرض الواسع، يقول صاحب مختار الصحاح: "وكان
الرجل منهم إذا أراد أن يقضي الحاجة أتى الغائط وقضى حاجته، فقيل لكل من
قضى حاجته قد أتى الغائط.. وقد تَغَوَّط".
وتتنوّع
الآداب والأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة فنجد أن بعضها تختصّ باختيار
المكان، وأخرى تسبق ذلك الفعل، وثالثة ينبغي مراعاتها أثناءه ذلك وبعده.
فبالنسبة
لموضع قضاء الحاجة، كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على اختيار
الأماكن التي تخفيه عن أعين الناس وتستره عنهم، ويصوّر لنا عبد الله بن
جعفر رضي الله عنه ذلك فيقول: "كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله
عليه وسلم - لحاجته هَدَف – وهو البناء المرتفع الساتر - أو حائش نخل -
يعني حائط نخل –" رواه مسلم.
وكان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا ذهب لقضاء حاجته يسير كثيراً حتى لا يكاد يُرى، ابتعاداً عن
أعين الناس، وهذا هو المقصود من قول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد" رواه النسائي.
وللسبب ذاته لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثوبه إلا بعد الدنو من الأرض، كما روى ذلك الإمام الترمذي.
وتظهر
النصوص النبوية النهي عن قصد مواضع معيّنة لقضاء الحاجة، كالمقابر -
مراعاةً لحرمة الأموات -، أو قصد أماكن الناس وطرقاتهم، أو قضاء الحاجة في
المياه الراكدة، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث، منها قوله صلى الله
عليه وسلم: (ما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) يعني أنهما في
القبح سواء، رواه ابن ماجة.
وقوله صلى الله عليه
وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)
وهي الأمور التي تجلب لعن الناس، رواه أبو داود، وقول جابر رضي الله عنه:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الراكد، رواه
النسائي.
وتعظيماً لقبلة المسلمين وإعلاءً لشأنها جاء
النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل
القبلة ولا يستدبرها) رواه مسلم.