إذا عرفنا ما ذكرناه من حقائق اتضح لنا:
أن الإسلام مع ربانيته في غايته ووجهته هو إنساني أيضا في الغاية والوجهة،
ومن هنا نقول
: إن للإنسان مكانا،
أي مكان في غايات الإسلام العليا،
وأهداف الكبرى،
مع تقرير غايته الربانية،
وإبرازها وتثبيتها
، إذ لا تنافي بين الغاية الربانية،
والغاية الإنسانية،
بل هما متكاملتان.
أجل، لا تنافي ـ في نظر الإسلام
ـ بين الربانية والإنسانية،
فتقدير إنسانية الإنسان هو من الربانية التي قام عليها الإسلام.
فالله هو الذي كرم هذا الإنسان،
ونفخ فيه من روحه،
وجعله في الأرض خليفة
، وسخر له ما في السماوات،
وما في الأرض جميعا منه،
وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
وإذا كان مصدر الإسلام "ربانيا"
، فإن "الإنسان" هو الذي يفهم هذا المصدر
، ويستنبط منه،
ويجتهد على ضوئه،
ويحوله إلى واقع تطبيقي ملموس.
وإذا كانت الربانية هي غاية المجتمع المسلم كما هي غاية الفرد المسلم
، فإن مضمون هذه الغاية هو سعادة الإنسان،
وفوزه بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين.
وإذا كانت الربانية هي رسالة المسلم،
فإن أهداف هذه الرسالة هي تحقيق الخير للإنسان والسمو به،
والحيلولة بينه وبين الانحراف والسقوط.
والمعاني الربانية التي توجه المسلم،
من الإيمان والتوحيد والإنابة والرجاء والخوف.. الخ
، هي في حقيقتها معان إنسانية،
لأنها جزء من كيان الإنسان كما فطره الله
، وهي سر من أسرار قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي).
وفكرة الإسلام: أن الإنسان لا يستطيع أن يكون ربانيا حقا،
دون أن يكون إنسانيا، كما لا يستطيع أن يكون إنسانيا حقا، دون أن يكون ربانيا.
إن الربانية ـ باعتبارها غاية ووجهة
ـ تقتضي إخلاص النية والعمل والوجهة لله وحده،
وجعل رضوانه ومثوبته نهاية المقصد، وغاية السعي وراء كل حركة، وكل قول أو عمل.
ولكن المقصود بهذا كله هو تحرير الإنسان، وإسعاد الإنسان،
وتكريم الإنسان
، وحماية الإنسان،
والسمو بالإنسان.
فهذه كلها أهداف وغايات يحرص الإسلام عليها، ويسعى إليها،
ويعمل بكل وسيلة على بلوغها والاجتهاد في تحقيقها